أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

الخميس، 6 أبريل 2017

الرئيسية جواد يونس أبو هليل ـ فلسطين ـ .. مذكرات VUP ..

جواد يونس أبو هليل ـ فلسطين ـ .. مذكرات VUP ..


مذكرات VUP
 ============
في صيف العام 2000 كان من المقرر أن يتزوج أخي أمية. كنت قد حصلت بفضل الله على نتائج ممتازة في أبحاث الدكتوراه نشرت بعضها، ولم يتبق علي سوى كتابة الأطروحة. قررت أن أغتنم فرصة العرس لآخذ أول إجازة لي منذ سافرت إلى ألمانيا في خريف 1996 بخاصة أني كنت مشتاقا جدا لوالدتي، وإخوتي، وأهلي، وللبلد بعد غياب دام قرابة 4 سنوات.
ولأنه لم يتبق علي الكثير، ولأن كتابة الأطروحة تتطلب عملا متواصلا وتركيزا عاليا، فقد قررت أن أبقي العائلة في فلسطين وأرجع وحدي إلى ألمانيا لعدة أشهر أتفرغ فيها للأطروحة والتحضير للاختبارات النهائية.
كان ابني البكر (يونس) ما يزال يعالج من نوبات الصراع الذي أصيب بها بسبب نقص الأكسجين أثناء الولادة بسبب إهمال طبي. كان عدد نوبات الصرع قد تقلص تدريجيا بفعل العلاج ولكنها لم تنته. جرب الأطباء في دسلدورف عدة أدوية جيدة ولكنها لم تكن ناجعة تماما.
أخبرت اختصاصي الأعصاب الذي يشرف على علاج يونس بخططي لإبقائه في فلسطين، وطلبت منه أن يقوم بمحاولة أخيرة للحصول على دواء قد ينهي نوبات الصرع.
قال لي الطبيب إنه جرب كل الأدوية التي يعرفها، وإن الخطوة الأخيرة التي يمكن أن يقوم بها هي تحويله إلى "مستشفى بحثي" في بون يجري أبحاثا على مرضى الصرع بشكل خاص وربما وجدت عندهم أدوية جديدة قيد الاختبار.
حصلنا على موعد في المستشفى بشكل سريع، فالعاملون في هذه المستشفيات البحثية يسرون بالحصول على حالات "معقدة" ليجروا عليها أبحاثهم.
كان البروفيسور الذي عاين يونس واطلع على ملفه شابا في الثلاثينات من عمره. من ضمن الأسئلة الكثيرة جدا التي وجهها لي كان هناك سؤال عن عدد نوبات الصرع التي يتعرض يونس لها. فأخبرته أن عددها تقلص من عشرات النوبات يوميا إلى 5 نوبات يوميا في المعدل. فسألني عن مدة كل منها، فأجبته أن معظمها يستمر بضع ثوان فقط، ولكن بعضها (وقد أصبحت هذه نادرة) قد يستغرق دقيقتين أو ثلاث دقائق وفي هذه الحالة نضطر لإعطائه إبرة شرجية لتخفيف شدة النوبة.
رد الطبيب بعفوية وتلقائية: "خسارة".
كان رده العفوي صادما لي. ربما لم ينتبه هو لقسوة كلمته، وكم كانت جارحة. كان همه كباحث أن تنجح تجربته بأن يضع المريض في غرفة زجاجية مزودة بالكاميرات طوال الوقت لرصد هذه النوبات وردة فعل المريض أثناءها، وكلما كانت مدة النوبة أطول كلما كانت التجربة أكثر نجاحا!
كنت أدرك تماما، كشخص مثقف واع، أن هدف الطبيب لم يكن بحثيا خالصا، وأن نجاح تجربته يعني أيضا منفعة لابني المريض، ولكني في النهاية أب وكانت كلمته التي لم يلق لها بالا كطعنة في الخاصرة.
كان يود لو أن النوبات تستمر 5 دقائق على الأقل، وليت بعضها يستمر 10 دقائق! تصور أن ترى ابنك يرتعش كغصن جاف في ليلة عاصفة، ويرغي ويزبد كبعض من يحتضرون، وتخشى أن يفارق الحياة في كل لحظة!
تمالكت نفسي، وحبست الدموع التي كانت تترقرق في مقلتي، وأكملت النقاش مع الطبيب بكل هدوء. أجرى الطبيب ليونس جميع الفحوصات الممكنة، وأمضى معنا عدة ساعات ولم يترك شاردة ولا واردة، واستشار عددا من زملائه، وفي الختام أخبرني بأنهم قرروا أن لا فائدة من إجراء التجربة على يونس لأن عدد النوبات ومدتها (وهذا الأهم عندهم) لا يكفي لاستخلاص نتائج صحيحة. برغم ذلك، وصف لنا علاجا  جديدا بالإضافة إلى أحد العلاجات التي كان يونس يأخذها مسبقا. أخبرني الطبيب أن هذا العلاج الجديد مكلف جدا ولكنه أثبت فعالية كبيرة في حالات مشابهة.
بالفعل، كان العلاج ناجعا، وتمكنا بفضل الله ثم بفضل ذلك الطبيب والدواء الذي وصفه (رغم أن ارتفاع ثمنه كان من أسباب تغربي عن وطني فقد كان يستهلك حوالي نصف مرتبي في بيرزيت) من السيطرة بشكل شبه تام على نوبات الصرع، وإن كنا لم نستطع تدارك الآثار التي خلفتها على الدماغ، وما زال هو نفس العلاج الذي تناوله يونس منذ عام 2000 ولم تتغير سوى الجرعة بحسب وزنه.
أكتب عن هذه الذكريات المؤلمة والدموع ملء عيني، وأنا أتذكر نوبات الصرع التي كان يونس يتعرض لها، وأنا وأمه بجواره لا نملك له شيئا سوى الدعاء أن يخفف الله عنه.
أعادت لي هذه الذكريات المؤلمة المشاهد المؤلمة لأطفال خان شيخون الذين تعرضوا للغازات السامة. التشنجات التي أصيب بها بعض الأطفال ورأيتها في فيديوهات موثقة من أبناء نفس المنطقة (فأنا لا أؤمن بالإعلام المناهض للنظام ولا المؤيد له) تشبه كثيرا بعض التشنجات القوية التي كان ابني يونس يصاب بها. أعلم أن الغالبية الساحقة ممن شاهدوا هذه المناظر المرعبة تألموا وأن كثيرا منهم بكوا، ولكني ازعم أن تجربتي مختلفة.
كثير منا عنده أولاد، ومن ليس عنده أولاد عنده إخوة وأخوات. لا أفهم حقيقة كيف لا ترتجف يدا من يمسك بجواله أو لوحة مفاتيح حاسوبه ليشكك في مجزرة حقيقية! يا أخي، انتظر على الأقل حتى تتضح معالم الأمور، أم أنك أدمنت لعب دور محامي الشيطان؟
أنا لست هنا لأستعجل نتائج تحقيقات، ولكني أستغرب ممن سارعوا إلى التشكيك في حصول المجزرة ثم، وبعد أن أكد الروس والإيرانيون حصولها، بدؤوا بالتفلسف والتشكيك حول ما إذا كانت للنظام مصلحة عسكرية في المجزرة متناسين أن كثيرا من المجازر التي حصلت كان هدفها طائفيا محضا، وكأن الرأي العام سيحرك الأساطيل لإنقاذ أطفال سورية إذا أشيع تورط كلاب المجوس أو الروس فيها! بل إن بعضهم لا يزال يقسم أن النظام لم يستعمل البراميل المتفجرة رغم الشهادات المتواترة من آلاف شهود العيان!
تعيبون على من ينقلون أخبار الجزيرة وأنتم متسمرون أمام قناة الميادين! هل تتوقعون من قناة موالية لنظام يخوض حربا أن تزودكم بحقيقة ما يجري، أو أن تعترف بارتكاب النظام لمجازر؟! أين عقولكم؟!
والله لا أشتري ذمة كثيرين ممن يقومون على الإعلام اليوم بدرهم، ولا أذكر آخر مرة شاهدت فيها أخبار فضائية عربية فقد فقدت الثقة فيها تماما! نحن اليوم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي ويمكنكم أن تستقوا أخباركم من نفس أبناء المنطقة إذا كنت حريصين على الحقيقة.
أنا لست هنا للتعريض بأحد، ولا لتسجيل نقاط فليس هذا من أخلاقي، والمصاب أكبر من الشخصنة، ولكنها دعوة صادقة لكل من شكك في حصول هذه المجزرة التي يجمع الآن الجميع على حدوثها، وغيرها من المجازر، إلى مراجعة نفسه والاعتذار لأطفال سورية، وهذا أضعف الإنسانية!
جواد يونس أبو هليل ـ فلسطين ـ

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.